ساسة فرنسا ..مع الاعتذار على جرائم باريس بالجزائر خارج الحكم و ضد “الاعتذار ” بعد الحكم !

■ تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان حول ضرورة الاعتذار من الجزائر تصنع الحدث
■ متى تعتذر فرنسا عن جرائمها في الجزائر؟
الجزائر الآن _ في محاضرة وصفت بالشجاعة، خاصة أنّ صاحبها ينتمي إلى اليمين الفرنسي، قال رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان، أنّه “من الضروري أن تطلب فرنسا الاعتذار من الجزائر عن الجرائم التي ارتكبت خلال 132 عاما من الاستعمار”.
لكن في رأيه يتطلب الوصول إلى هذه المرحلة مزيدا من الصبر، لأنه “حتى رئيس الجمهورية في فرنسا اليوم، لا يمتلك هذا السلطة للتعبير عن هذا الاعتذار“.
وفي تقدير دوفيلبان “لا يمكن فرض كلمة أو تعبير (الاعتذار).. ويجب التقدم معا شعوبا وقادة للوصول إلى ذلك”. وتابع يقول: “أعرف هذا الموضوع جيدا، فقد كنت الأمين العام في الإليزي تحت رئاسة جاك شيراك. وأعلم أيضا أنّ هناك عقبات، أحيانا تكون صعبة، مثل العمل على الذاكرة. لكن في كل مرحلة نتقدم“
وأشار في نفس سياق خلال محاضرة ألقاها بجامعة الجزائر، أمس الاثنين، إلى اعتراف فرنسا بالجرائم التي ارتكبت بحق أستاذ الرياضيات موريس أودان، والمحامي علي بومنجل خلال الثورة الجزائرية، مبرزا أنّ “الرئيس إيمانويل ماكرون قد أشار إلى عدد من المواقف”. وأردف مواصلا شرح رؤيته: “الجرائم الاستعمارية لا يمكن محوها، ويجب علينا جميعا الاعتراف بها. لكن، أحيانا، يتطلب الأمر سنوات لإثبات صحة بعض المواقف وبعض الحقائق”.
وأكد رئيس الوزراء الفرنسي السابق، أنّ الزيارة التي ستقود الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لفرنسا خريف هذا العام، هي موعد كبير بالنسبة للبلدين اللذين لا يزالان يواجهان عقبات الذاكرة الأليمة في الانطلاق نحو المستقبل.
وأكد دوفيلبان، أنّ هذه الزيارة المنتظرة “تُعدّ فرصة ليس على المستوى السياسي فقط، ولكن بالنسبة للشعبين”، خاصة في ظل التحديات التي تواجه البلدين معا سواء في شق العلاقات الثنائية في المحيط الإقليمي الذي يجمعهما.
وتحدث دوفيلبان في نفس السياق إلى العلاقة الخاصة بين بلاده والجزائر، مؤكدا أنّ “الجزائر وفرنسا لديهما هذا الامتياز بوجود تكامل في علاقاتهما الشاملة والتاريخية. بالنسبة لي، هي علاقة دولة بدولة وشعب بشعب”. ولفت إلى أنّ الوقت قد حان “لتخفيف التوترات، مثل الكراهية، بتحويل الخلافات إلى حوار سياسي”، مشددا على أنّ “الجزائر وفرنسا يجب أن تطورا رؤية مشتركة، تعتمد بشكل خاص على التعددية وقبول ماضينا بكل تعقيداته وتعزيز قدرتنا على بناء مستقبل أفضل معا”
■لماذا صمت عندما كان في قمة المسؤولية؟ .. أم هي سياسية فرنسية؟
ما قاله دومينيك دوفيلبان يعتبرا إيجابيا، ولكنّه صادر عن سياسي سابق أو شخصية سياسية لا تملك أي تأثير حاليا على السياسة الخارجية الفرنسية، فدوفيلبان الذي عمل لسنوات طويلة مع جاك شيراك، وحمل حقيبة وزارة الخارجية ووزارة الداخلية وقاد مجلس الوزراء، لم يتحدث مطلقا عن ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر والاعتذار عنها، وعندما وجد نفسه خارج السلطة، يرى أنّ الاعتذار ضروري.
الأكيد أنّ موقف دوفيلبان وتصريحاته التي وصفت بالشجاعة، لم تفاجئ الكثيرين، لأنّها عادة الفرنسيين، ويكفي الإشارة فقط، إلى أنّ الرئيس الحالي وخلال حملته الانتخابية الأولى ومن الجزائر تحدث عن ضرورة تصالح فرنسا مع ذاكرتها والاعتراف بجرائمها في الجزائر والاعتذار عن كل ما فعلته، ولكنّه عندما وصل إلى السلطة، تخلّى عن كل ما أوهم الجميع بأنّه قناعاته، وأكثر من ذلك، أنّه وفي تصريحات لمجلة “لوبوان” الفرنسية، شهر جانفي 2023، قال إيمانويل ماكرون إنّه يرفض تقديم الاعتذار إلى الجزائر عن تاريخ بلاده الاستعماري هناك، لكنّه يأمل أن يستقبل نظيره الجزائري عبد المجيد تبون في باريس هذا العام لمواصلة العمل على ملف الذاكرة والمصالحة بين البلدين.
وأضاف ماكرون في نفس الحوار: “لست مضطراً إلى طلب الصفح، هذا ليس الهدف. الكلمة ستقطع كلّ الروابط”، مضيفاً أنّ “أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول إننا نعتذر ثم يذهب كلٌّ منا في سبيله”، ومشدّداً على أنّ “عمل الذاكرة والتاريخ ليس مجرد حساب، إنّه عكس ذلك تماماً”.
تلك التصريحات، جعلت جوردان بارديلا، زعيم “التجمع الوطني” اليميني المتطرف، يحتفي برفض ماكرون الاعتذار، في حين قالت النائب البرلمانية الجمهورية دومينيك بيلد: “هذا الرجل يغير مواقفه باستمرار، فهذا التوظيف السياسي للذاكرة والتاريخ لا يُحتمل”، في إشارة إلى اعترافه بجرائم فرنسا في الجزائر سنة 2017.
■3 أسباب وراء رفض فرنسا الحالية الاعتذار على جرائمها بالجزائر
يرى مراقبون أنّ رفض فرنسا ماكرون الاعتذار عن جرائم أجدادهم في الجزائر، تحكم 5 أسباب رئيسية، أولها، مرتبط بالرئيس نفسه، والذي يعتبر أنّه أنّه ينتمي إلى جيل جديد من الفرنسيين، والذين لم يتورطوا بشكل مباشر في جرائم الاستعمار الفرنسي. وأنّ هناك في فرنسا اليوم جيل جديد من الفرنسيين يريدون النظر إلى المستقبل، بمن فيهم الفرنسيين من أصول جزائرية والذين يحاولون الاندماج في المجتمع الفرنسي بعيدا عن ملفات الذاكرة الملغمة.
ونسي ماكرون أنّ الجيل الجديد الذي يتحدث عنه ويراهن عليه، يريد هو الآخر معرفة ما قام به أجدادهم من جرائم في حق الجزائريين، كما أنّ تلك الجرائم معترف بها دوليا، وحتى ماكرون نفسه اعترف بها.
السبب الثاني الذي يقف حائلا دون اعتذار فرنسا عن جرائمها في الجزائر، هو صعود اليمين المتطرف، كما أنّ 80% من اليمين بنوعيه هم من الأقدام السوداء أو أحفادهم الذين ولدوا في الجزائر، ومنهم قيادات عسكرية شاركت في حرب الجزائر، ويقودهم الحنين إلى فكرة “الجزائر فرنسية”، عبر تبني خطاب الرئيس الفرنسي الراحل الجنرال شارل ديغول. وعلى هذا الأساس سعى اليمين على مدار 60 عاما من استقلال الجزائر، لعرقلة كل أشكال المصالحة التاريخية.
السبب الثالث ، هو أنّ ماكرون يدرك أنّ هناك عدة ملفات حساسة يمكن أن تفجرها مسألة الاعتذار وتطرح مسألة التعويضات. ومن أبرزها ملفات المفقودين والإخفاء القسري للمناضلين خلال الثورة التحريرية والأرشيف، والأكيد أنّ فرنسا لن توافق على فتح ملف التعويضات بأي حال من الأحوال.