( مساهمة ) دور وسائل التواصل الاجتماعي في الإستراتيجية الاتصالية

( مساهمة ) دور وسائل التواصل الاجتماعي في الإستراتيجية الاتصالية

الجزائر الآن _ يهدف هذا المدخل إلى شرح كيف أن البروز السريع لوسائل التواصل الاجتماعي كظاهرة اجتماعية وثقافية وسياسية جديدة مكّنها أن تلعب دورا مهما في مجال الاتصال و التواصل السياسيين.

فقد أصبحت حسب الدراسات المصدر الأساسي للمعلومات و أكثر من هذا وسيلة للتعبير عن الآراء وضمان المزيد من الحرية والوعي السياسي. حقا قد يتساءل المرء لماذا تحظى وسائل التواصل الاجتماعي بهذا التأثير والانتشار، ولماذا تحل محل وسائل الإعلام العامة وتحل محلها بل وتؤخرها عن طريق طرح أجندة سياسية جديدة؟ و ما هي دوافع المواطنين وثقتهم وحماسهم؟

  من المؤكد أن بعض الإجابات يمكن العثور عليها في طبيعة النظام السياسي والإعلامي الذي يشرف على السياسة برمتها في هذا المجال.

فكلما كان النظام الاتصال السياسي الأقل الانفتاح، كلما قلّت الحرية في النظام الإعلامي برمته، كلما بحث الناس عن مصادر بديلة للمعلومات والتعليقات.

وبعبارة أخرى، فإن تمكين وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل السياسي سيجلب المزيد من التنوع والتعددية والديمقراطية.

.

_ التجربة الجزائرية في التعددية السياسية و الحزبية و الإعلامية

فقد شرعت البلاد في التسعينيات في تبني نظام سياسي متعدد الأحزاب مع اعتماد دستور جديد مهد الطريق لإنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات الاجتماعية والثقافية. أما في مجال الإعلام، فقد مكّن قانون الإعلام الصادر في أبريل 1990 من ظهور التعددية والتنوع في وسائل الإعلام، خاصة في الصحافة المكتوبة. وفيما يتعلق بالقطاع السمعي البصري، لم ترفع السلطات الجزائرية الرسمية الحظر عن القطاع السمعي البصري إلا في عام 2012، حيث شجعت الأفراد والشركات على الاستثمار في هذا المجال. غير أن قانون النشاطات السمعية البصرية لعام 2014 شكل الخطوة الأولى نحو تحرير البث والصور. من الواضح أن وسائل الإعلام جزء لا يتجزأ من النظام السياسي الجزائري الحالي، وكما ذكرنا سابقاً، كان للتعددية السياسية في التسعينيات تأثير على التنوع الإعلامي. ومع ذلك، نلاحظ أن هذا التأثير محدود وأن النقاد يؤيدون ويصفون التعددية الإعلامية بأنها شكلية. ومن المفترض أن تجلب التغييرات التي طال انتظارها مزيدًا من الديمقراطية، لكن التعددية الإعلامية والتحرر من النظام السياسي تبين في نهاية المطاف أنها سطحية وتجميلية أكثر منها سياسية حقيقية وصادقة في الحياة اليومية.

_ تعددية إعلامية رقمية و ليست متعددة

على الرغم من وجود نصوص وقوانين رسمية حول التعددية الإعلامية، إلا أن وسائل الإعلام العامة لا تزال تتعرض لانتقادات شديدة من حيث جودة المحتوى والاستقلالية.

وعندما يتعلق الأمر بتقييم جودة الأداء الإعلامي وقيم الأخبار وأخلاقياتها، فإن النتائج مخيبة للآمال ومثبطة وحتى محبطة. وتتجلى المواقف السلبية للجمهور في التحول الهائل إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي اكتسبت شعبية ومصداقية وثقة مذهلة في فترة زمنية قصيرة.

_ دوافع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي

يتمثل الفرق الرئيسي بين شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام التقليدية في أنها تقدم نموذجين مختلفين تمامًا لتداول المعلومات. في وسائل الإعلام التقليدية، يمكن للصحفيين أن يلعبوا دورًا أساسيًا في اختيار الأخبار والمعلومات، فهم ينصبون أنفسهم طواعية ومن تلقاء أنفسهم حراسًا للبوابة ويقررون نيابة عن الجمهور ما يجب أن يلفت انتباههم في موقف أبوي بحت. في المقابل، على شبكة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، يمكن للجميع التعبير عن أنفسهم وجميع مصادر المعلومات على نفس المستوى. ما يجعل المعلومات مرئية هو الطريقة التي يتم بها نقل المعلومات من قبل مستخدمي الإنترنت أنفسهم من خلال ممارسات المشاركة والتوصية. والمشكلة التي نواجهها اليوم هي أن هذه المصادر ليست كلها متساوية من حيث احترام القواعد المهنية المعمول بها في مهنة الصحافة، خاصة فيما يتعلق بالتدقيق والتحقق من الحقائق، وهو ما يفسر جزئياً نجاح الشائعات ونظريات المؤامرة على شبكة الإنترنت

_ وسائل التواصل الاجتماعي كقوة دافعة للحركية الاجتماعية

لقد بلغت الحركة الاحتجاجية الاجتماعية ذروتها وحازت على إعجاب العالم أجمع، بما في ذلك مواطنو القوى الكبرى الذين أعربوا عن دعمهم للطابع السلمي للمسيرات. وسرعان ما أصبحت قوة ناعمة، ولا يزال الكثير من الجزائريين يفتخرون بها ويحرصون على الترويج لها دوليًا. ونظرا لحتمية طبيعتها السلمية والحضارية، لقد حرر الحراك المبارك القوى الخاملة في المجتمع وفتح بالتالي آمالًا جديدة وسبلًا غير متوقعة لمزيد من الديمقراطية في البلاد. والأهم من ذلك أن حركة الاحتجاج الاجتماعي قد حققت في الواقع تقدمًا كبيرًا في العديد من المجالات، مثل سيادة القانون والنظام العام والديمقراطية والشفافية ومكافحة الفساد وسوء الإدارة. وأبرزت وسائل التواصل الاجتماعي من خلال المنصات الاجتماعية أن لها دورا في الاحتجاج بطريقة حضارية و سلمية.

_ جعل الإعلام أكثر مهنية واستقلالية

يُظهر تحليل وسائل الإعلام أن النظام السياسي الذي كان سائدا قبل الحراك غير واضح في إستراتيجيته الإعلامية حتى مجيء الرئيس الجديد عبد المجيد تبون في 2019 بعد أشهر من الحراك السياسي و الاجتماعي.

وقد أعرب الرئيس الجديد عن رغبة حقيقية في جعل الإعلام أكثر مهنية واستقلالية.

والواقع أن الحراك هو في الواقع نتيجة تراكم سلسلة من المظالم ضد النظام السياسي الذي ابتعد عن مصالح المجتمع وعزز سوء إدارة النظام لموارد الدولة.

وقد عبّر المواطنون مرارًا عن استيائهم من النظام السياسي، لكن معظم الاحتجاجات مرت مرور الكرام، حيث قام المتظاهرون بإغلاق مفترقات الطرق وحرق الإطارات ومطالبة السلطات بتنفيذ الوعود التي قطعتها الحكومة المركزية ولم ينفذها المسئولون المحليون.

والأسوأ من ذلك أن وسائل الإعلام العامة فشلت في تغطية هذه الأحداث، والتزمت الصمت تجاه جميع أنواع الاحتجاجات والمظاهرات. 

_ ازدهار وسائل التواصل الاجتماعي

ازدهرت وسائل التواصل الاجتماعي وتوجه ملايين المواطنين إلى هذا المجال الجديد، واحتضنوه كبديل جديد ومنتدى للتعبير عنهم وقول ما يفكرون فيه.

كان الحراك في الجزائر فرصة لإدخال المزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحرية الصحافة. قانون المعلومات الجديد 2024 مقابل تمكين وسائل التواصل الاجتماعي.

كما تعهد خلال حملته الانتخابية، اقترح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مشروع قانون جديدا بشأن الإعلام للصحافة المكتوبة والإلكترونية، فضلا عن مشروع قانون بشأن البث. ويهدف مشروع القانون الجديد هذا إلى ضمان قدر أكبر من الديمقراطية والحرية والشفافية والاستقلال.

و قد إزدهر المشهد الإعلامي الجزائري حتى الآن، حيث يوجد أكثر من 20 قناة تلفزيونية، منها 9 فقط عمومية، والباقي مملوكة لأفراد وشركات خاصة، و200 عنوانا إعلاميا مطبوعا، منها أقل من 6 عمومية، و180 عنوانا إلكترونيا. و55 قناة إذاعية عامة وعدد قليل من المحطات الإذاعية تبث على شبكة الإنترنت تحت اسم Web Radio. ومع ذلك، فإن أكثر من 25 مليون مواطن من أصل 44.5 مليون نسمة يتصفحون وسائل التواصل الاجتماعي يوميًا، وخاصة على ميتا أو فيسبوك سابقا، وهي شبكة ومنصة التواصل الاجتماعي الأكثر شعبية.

وتشكل هذه الأرقام المثيرة للقلق صداعا لصناع القرار الإعلامي.

والسؤال الرئيسي هو كيف سيحتوي قانون المعلومات الجديد على التأثير القوي لوسائل التواصل الاجتماعي في المجتمع ويقلل منه؟ وكيف ستطبق مبادئ وقيم المصداقية والثقة والعدالة؟

_ تمكين وسائل الاتصال الاجتماعي في التواصل السياسي

تمكين وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل السياسي والتمكين السياسي والتعبئة الاجتماعية وهكذا، ينظر الجمهور إلى وسائل التواصل الاجتماعي كخيار بديل للتعددية الإعلامية “التجميلية” و”الافتراضية” القديمة. وحتى مشروع قانون الإعلام الجديد 2024 تعرض لسلسلة من الانتقادات والاعتراضات من جانب الإعلاميين، الذين شككوا في استقلاله وحياده.

والسؤال الرئيسي هو ما إذا كان مشروع قانون الإعلام الجديد سيمكن وسائل الإعلام التقليدية والتقليدية من استعادة مصداقيتها وسلطتها وثقتها.

من الصعب أن تكون حازمًا وواثقًا لأن وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها اتجاهات جديدة، وخاصة منصة فيسبوك، التي تضم أكثر من 60٪ من المتابعين في البلاد، أصبحت المصدر الرئيسي للمعلومات وتمارس تأثيرًا قويًا على الاستهلاك العام.

وعلى أجندة الإعلام التقليدي. وكما رأينا خلال حركة الاحتجاج الاجتماعي، استخدم المؤثرون وقادة الرأي وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات مميزة لنشر المعلومات حول أنشطة المتظاهرين وأجنداتهم والتعبير عن الآراء حول الوضع السياسي والاجتماعي.

وأخيراً، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، باعتبارها فرصة غير متوقعة، شكلاً آخر من أشكال القوة الناعمة، مما سمح للمواطنين الجزائريين بالتظاهر من أجل المزيد من الانفتاح والعدالة الاجتماعية والديمقراطية ونظام سياسي عادل ومنصف

_ وسائل التواصل الاجتماعي، جزء من إستراتيجية الاتصال السياسي

وسائل التواصل الاجتماعي، جزء لا يتجزأ من إستراتيجية الاتصال السياسي، إذا كان المواطنون العاديون، كما أشرنا، متحمسين ويسعدهم اللحاق بالركب والانطلاق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها نسمة جديدة من الحرية والاستقلال، فإن هذه ليست الحال أو نفس الحماس لدى بعض السياسيين. كان السياسيون وأحزابهم السياسية بطيئين في تبني استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

لقد كانوا مترددين وغير مستعدين بعد لتبني أدوات وأساليب اتصال جديدة .

ومن الواضح أنهم تمتعوا بامتيازات من وسائل الإعلام التقليدية والتقليدية على حساب مصالح المواطنين والمجتمع. واليوم، بدؤوا في التكيف من خلال اغتنام الفرص التي توفرها وسائل التواصل الاجتماعي. لقد انتقلوا إلى أنواع جديدة من الاتصالات الرقمية، التي يجب أن تكون أكثر شمولاً وأقل تدخلاً في عالم سريع التغير.

_ وسائل الاتصال الاجتماعي و الأحزاب السياسية

 في الواقع، تستخدم الأحزاب السياسية وقادتها وأعضاؤها ومؤيدوها وسائل التواصل الاجتماعي تدريجيًا كوسيلة فعالة للتواصل والتفاعل. إنهم يقومون بإنشاء مواقعهم الإلكترونية ومنصاتهم وشبكاتهم الخاصة لنشر المعلومات والتعليق والتحليل حول الشؤون الجارية وحرق القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل ممارسة درجة من التأثير والسلطة على أفراد المجتمع، لأنهم يفترضون أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها تصبح ساحة أخرى للمنافسة السياسية الشرسة وسلطة السلطة.

ونتيجة لذلك، كثيرًا ما تدور الجدل السياسي والقضايا الاجتماعية والاقتصادية في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، في ظل غياب المناقشات والبرامج الحوارية في وسائل الإعلام العامة.

أصبحت القضايا السياسية والأخلاقية والمجتمعية الآن موضع نقاش ونقاش، ويتم استخدام الوسوم لحث الناس على التفاعل والتفاعل. فكتاب الفيسبوك، على سبيل المثال، يستخدم كأداة رئيسية للتواصل والتفاعل حول الموضوع بين مختلف الأشخاص

_ @TebbouneAmadjid

يتمتع الجمهور بحضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعبرون عن أفكارهم وآرائهم بحرية.

وقد يشكل صعود المعارضة و”المواقع الإلكترونية المنشقة والمثيرة للفتنة” في الخارج مصدر قلق للسلطات، حيث يُنظر إليها على أنها مساحة بديلة لتمكين الأشخاص المستبعدين من النقاش السياسي. واليوم، تتمتع العديد من وسائل الإعلام وشخصيات المجتمع المدني والناشطين بحضور منتظم على يوتيوب وتويتر وإنستغرام على وجه الخصوص. وتستخدم الشخصيات السياسية، بما في ذلك شخصيات المعارضة، هذه الأدوات لنشر استراتيجياتها والتواصل مع مؤيديها.

واستجابة للتظلمات والانتقادات، تقوم السلطات العامة بإعادة النظر تدريجياً في وسائل التواصل الاجتماعي في إستراتيجية الاتصال والمعلومات الخاصة بها من أجل التواصل مع أعضاء المجتمع الحقيقي و”الافتراضي”.

وعلى هذا النحو، أنشأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون حساباته الخاصة على تويتر وميتا لإعلام أفراد المجتمع والتواصل معهم مباشرة. ويعتبر هذا النهج الجديد، الذي حظي بتقدير كبير، بمثابة خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تلبية احتياجات وتوقعات الجمهور، وبالتالي استعادة ثقتهم.

المقالة التالية
الأخبار المتعلقة
آخر الأخبار