الأرقام المرعبة لاستثمارات الذكاء الاصطناعي بعد قرار ترامب ..أسئلة مشروعة حول مستقبل العالم وكذلك مستقبل الجزائر ؟

الأرقام المرعبة لاستثمارات الذكاء الاصطناعي بعد قرار ترامب ..أسئلة مشروعة حول مستقبل العالم وكذلك مستقبل الجزائر ؟

_ مقال رأي _ 

الجزائر الآن _ تاريخ  20 جانفي 2025 ، هو يوم تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية ، للمرة الثانية،  بعد 4 سنوات من مغادرته للبيت الأبيض .

وفي نفس هذا التاريخ، وقّع “ترامب” على أمر تنفيذي ألغى بموجبه قوانين تنظيم الذكاء الاصطناعي التي أقرها  سلفه “جو بايدن”

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صرح من قبل  بأنّ قوانين حكومة بايدن تعيق تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي.

لكن المؤكد وما يعيشه العالم الآن من منافسة مفتوحة وشرسة بين الولايات المتحدة والصين تحديدا، حول هذه التقنية سيكون له عواقب غير مسبوقة ( قد تكون إيجابية و قد تكون سلبية )  على تاريخ البشرية .

وقبل ذلك علينا أن نستعرض ما خلفه قرار ترامب بالأرقام:

ـ شركة أبل الأمريكية العملاقة أعلنت أنّها ستنفق 500 مليار دولار داخل الولايات المتحدة خلال الأربع أعوام المقبلة ، بالإضافة إلى إنتاج خوادم الذكاء الاصطناعي 

 

ـ مشروع “ستارغيت”  والذي خصص له  مبلغ 500 مليار دولار، تقوده “أوبن إيه آي OpenAI   المطورة لتطبيق ” تشات جي بي تي” بالتعاون مع “سوفت بنك”” وعملاق البرمجيات “أوراكل” .

ـ سوفت بنك:  أعلنت على استثمار بقيمة 100 مليار دولار

ـ ميتا بلاتفورمز: قررت استثمار مبلغ 65 مليار دولار

5ـ مايكروسوفت: أعلنت عن استثمار بقيمة 40 مليار دولار

6 ـ داماك : قررت تخصيص مبلغ 20 مليار دولار

7 ـ أمازون: خصصت مبلغ 11 مليار دولار

8 ـ أندوريل : قررت تخصيص ما يقارب مليار دولار

_ الرئيس الصيني” شي جينبينغ” يمر إلى السرعة القصوى 

أما بخصوص الاستثمارات الصينية في مجال الذكاء الاصطناعي فمن المقرر أن تصل إلى 200 مليار دولار قبل نهاية سنة 2029

فمجموعة علي بابا العملاقة لوحدها قررت استثمار 52 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي وخدمة الحوسبة السحابية وذلك بعد اجتماع عقد بين الرئيس الصيني شخصيا “”شي جينبينغ و المشارك الرئيسي في تأسيس المجموعة “جاك ما 

يجدر التنويه في هذا السياق بأنّ عدد من الخبراء في المجال يرون  أن صعود الصين كقوة تكنولوجية مهيمنة ممكن، شريطة استمرار  بكين  في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي عالية الكفاءة وبتكاليف منخفضة كما كان الحال مع تطبيق  “ديب سيك”

أوروبا: أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية “أورسولا فون دير لاين”  عن استثمارات بقيمة 200 مليار دولار على مراحل لتطوير الذكاء الاصطناعي بالقارة العجوز .

وتقود شركة الاستثمار “جنرال كاتاليست” مبادرة الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الاوروبي و ذلك بمشاركة عدة شركات كبرى أوروبية منها : فولسفاغن، فيليبس، إيرباص، إيفينيون، سيمنز، “إيه .إس  إم إل” .

الهند: تحاول الهند اللحاق بركب الدول التي تنافس في مجال الذكاء الاصطناعي، ورغم التأخر نوعا ما الذي تعاني منه رابع قوة اقتصادية بالعالم إلا أنّها خصصت مبلغ 1.14 مليار دولار لتطوير البنية التحتية خاصة وأنّها تمتلك قوة بشرية شابة ذات كفاءة عالية في هذا المجال فهي المصدر رقم واحد عالميا للابتكارات التكنولوجية حاليا.

روسيا: لا تبدو موسكو منافس في مجال الذكاء الاصطناعي ولهذا السبب وجه الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” تعليماته لحكومته ولأكبر بنك في البلاد “سبير بنك” بتعزيز التعاون مع الصين .

ـ فوارق كبيرة  في عديد المجالات سيحدثها الذكاء الإصصطناعي بين الدول 

يؤكد عدد من الخبراء في الذكاء الاصطناعي الذين تحدثت إليهم، أنّ تطوير  الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة القادمة وبعد قرار ترامب،  وبعد الاستثمارات المالية الضخمة في هذا الاختصاص سيغير موازين القوة في العالم، وفي مختلف المجالات .

ويعطي الخبراء على ذلك عدد من الأمثلة  التي قد تكون حقيقة وواقعا ميدانيا  بعد سنوات قليلة من تطوير هذا المجال وقد تمس عدد من المجالات ونركز على مجال الدفاع لحساسيته وأهميته على سبيل المثال لا الحصر   :

ـ تعطيل تشغيل الأنظمة النووية وحتى  الأنظمة الدفاعية العادية   لبلد ما ،باستعمال الذكاء الاصطناعي من طرف بلد آخر .بمعنى هجوم سيبرياني  يستعمل الذكاء الاصطناعي من طرف بلد أو حتى  شركة على بلد آخر.

ـ امتلاك أجهزة المخابرات العالمية المالكة للذكاء الاصطناعي فارق كبير مع غيرها، ما يمكنها من  تحقيق اختراقات غير مسبوقة في تاريخ هذا العمل الأمني بامتلاك وليس فقط استعمال هذه التقنية وذلك  للتجسس و التنصت  ورسم الخطط و الاستشراف.

ـ نشر الفيروسات والأمراض أو العكس القضاء عليها.

4 ـ الحصول على البينات الشخصية للأفراد دون الرجوع لحكوماتهم وكذلك أسرار الدول وذلك باستعمال تقنيات أكثر تطورا في هذا المجال.

كما لا بد من التنويه بأنّ الذكاء الاصطناعي سيحقق قفزات هائلة ليس فقط في قطاع الدفاع بل أيضا في مجالات الفلاحة والطاقة والصحة وعدد من القطاعات الأخرى التي لها صلة بالحياة اليومية للبشر .

ـ خطة ترامب الدفاعية  الجديدة لقيادة العالم في 3 نقاط 

بعد الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة الأمريكية رسخت مفهوم حماية أمريكا من الخارج، وعلمت على تنفيذ هذه الخطة عبر نشر 850 قاعدة عسكرية لواشنطن بالخارج. كما عقدت الكثير من التحالفات العسكرية مثل: حلف شمال الأطلسي، الناتو، العيون الخمس، كواد  وأكوس، بالإضافة إلى عشرات الاتفاقيات العسكرية والأمنية الثنائية مع الدول.

لكن وصول ترامب للرئاسة مجددا هذا العام ولجعل أمريكا عظيمة حسبه مجددا  وتنفيذا للشعار الذي رفعه في حملته الانتخابية “أمريكا أو لا” بدأ العمل على النقاط الثلاث التالية:

أ ـ “الحماية الذاتية” عبر بناء القبة الحديدية حول كل الأراضي الأمريكية.

ب ـ تعزيز وتطوير قدرات الجيش الأمريكي لمساعدته على تنفيذ رؤيته والتي تتلخص في “السلام الذي يقوم على القوة”

ج ـ خلق فجوة كبيرة بين قدرات الجيش الأمريكي وأي جيش آخر في العالم بما في ذلك الجيش الصيني والروسي من خلال تحديث الأسلحة النووية.

و يتضح جليا أنّ ترامب ولتحقيق هذه الأهداف لا بد له أن يحقق للولايات المتحدة طفرة بل فجوة في تطوير الذكاء الاصطناعي مع باقي الدول خاصة الصين، وهو ما تلقفته “بكين”” بسرعة فائقة لذلك هي تعمل جاهدة على أن تنافس بكل شراسة واشنطن في هذا، بامتلاك و( ليس اتقان استعمال )   هذه التقنية وخير دليل على ذلك هي تلك الإحصائيات المرعبة التي نشرها الكاتب الأمريكي” توماس فريدمان” في مقاله الأسبوعي الأخير بصحيفة “نيويورك تايمز” والذي قال فيه ما يلي: “زرت قبل أيام مركز الأبحاث الجديد الضخم الذي يبلغ مساحته 225 ملعب كرة القدم والذي بنته شركته التكنولوجيا هواوي والذي يسمى مدينة هواوي “.

الكاتب الأمريكي الشهير قال بالحرف والكلمة بأنّه لم يرَ شيئا من قبل في حرم هواوي الجامعي، بني فيما يزيد قليلا عن 3 سنوات، ويتألف من 104 مبان، مصممة بشكل فردي، متصلة بقطار أحادي يشبه قطار ديزني و لكن أهم ما شد انتباه “فرديمان” ما يلي :

المركز يحتوي على  العديد من المختبرات ويضم 35 ألف عالم ومهندس وعمال آخرين و يضم 100 مقهى بالإضافة إلى مراكز لياقة بدنية ومزايا أخرى مصممة لجذب أفضل التقنيين الصينيين والأجانب .

الصين تركز على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات ( STEM)  يخرج البلد سنويا حوالي 3.5 مليون خريج من ذات البرامج .

تمتلك الصين 39 جامعة لديها برامج لتدريب المهندسين والباحثين في صناعة المعادن النادرة.

أفضل خريجي الجامعات الصينية يتخرجون بمستوى عالمي

يأتي السؤال الأهم : ماذا عن الجزائر والذكاء الاصطناعي ؟

ومن دون شك تصعب الإجابة القاطعة على هذا السؤال، لكن المؤكد بأنّ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لديه طموح كبير لتحقيق وثبة في هذا المجال، وخير دليل على ذلك أنّ الرئيس  أعطى تعليمات بإنشاء المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي والمدرسة الوطنية العليا للرياضيات،  كما بادر بإنشاء المحافظة السامية للرقمنة ووضعها تحت وصاية الجمهورية، كما منحها صلاحيات واسعة .

ورغم صعوبة المهمة، إلا أنّه لا أحد ينكر ما تقوم به هذه الهيئة وما حققته من إنجازات رغم الصعوبات .

كما يسجل أيضا الدعم الرئاسي  الواضح الذي تحظى به المؤسسات الناشئة التي تعتمد على التقنيات التكنولوجية في عملها الحالي  ومن دون شك على الذكاء الاصطناعي  في عملها المستقبلي  .

الجزائر مطالبة بمرافقة ومواكبة وتبني ثورة الذكاء  الاصطناعي الحاصلة بالعالم، لأنّ الأمر يتعلق بأمن أربع قطاعات على الأقل  هي كالتالي:

ـ الأمن القومي

ـ  الأمن الطاقوي

ـ3  الأمن الغذائي

ـ  4 الأمن التكنولوجي والسيبرياني

ولذلك وبحسب ما تحدثت مع عدد من الخبراء (بمن فيهم خبراء عرب) فإنّه بات من الضروري قبل فوات الآوان إتخاذ القرارات التالية : 

أ ـ إنشاء مركز وطني للذكاء الاصطناعي.

ب ـ تخصيص ميزانية سنوية تذهب مباشرة لدعم تطوير الذكاء الاصطناعي بالجزائر.

ج ـ  إنشاء هيئة سامية للذكاء الاصطناعي توضع تحت وصاية رئاسة  الجمهورية مباشرة  .

لا بد من الإشارة أن  مجهودات وزارة التعليم العالي في هذا المجال واضحة للعيان، غير أنّ وزارة التربية الوطنية من دون شك تحتاج إلى ثورة حقيقية في المناهج والمقررات الدراسية وفق ما يتماشى والتطورات العالمية الحاصلة. والأفضل بحسب عدد من الخبراء تحدثت إليهم ،  أن يشرف على تحضير هذه المناهج كفاءات وطنية حقيقية في عدد من المجالات( وليس من قطاع التربية فقط )  و لما لا الاستعانة  بخبرات أجنبية عالمية من مختلف التخصصات لمواكبة التطورات التكنولوجية الحاصلة بالعالم .

كذلك معظم المختصيين الذين تحدثت إليهم أجمعوا على ضرورة تغير الاطار التنظيمي والقانوني الحالي بآخر  يعطي أكثر تصرف وحماية للمسيرين بمن فيهم مسيري المؤسسات الاقتصادية العمومية، فعلى سبيل المثال الشركات العالمية الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي لن تأتي للمشاركة في مناقصة وطنية بل المسير من يذهب لها نتيجة الاختلاف الكبير في الأحجام على كل المستويات.

مؤشرات إيجابية تلوح في الأفق بخصوص الرأس المال البشري الجزائري الذي يمكنه أن يقود مواكبة التطورات الكبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي بالعالم وقد علمت من مصادر رسمية التالي  :

ـ علوم الحاسوب: 69.937 طالبا في جميع المستويات بمن فيهم 4.524 طالبا مسجلا في تخصصات الذكاء الاصطناعي على مستوى الماستر ومهندس دولة.

ـ الرياضيات: 21.960 طالبا في جميع المستويات بالإضافة طبعا إلى عدد كبير من الأساتذة :

علوم الحاسوب: 2.872 أستاذا

الرياضيات: 3.695 أستاذا

كما تم إعداد 74 برنامج ماستر في الذكاء الاصطناعي عبر 52 جامعة، تنفيذا لمبادرة “دار الذكاء الاصطناعي” التي أطلقتها وزارة التعليم العالي ووزارة الشركات الناشئة عام 2023

للأمانة يظهر تصريح لوزير البريد  المواصلات السلكية واللاسلكية  نشرته وكالة الأنباء الجزائرية بتاريخ 17 فيفري 2025 يقول فيه بأنّ قطاعه يستهدف مساهمة بـ 7 بالمائة من الناتج المحلي الخام بالجزائر بحلول 2027 ، معلنا في ذات السياق بأنّ اتصالات الجزائر ستطلق صندوق استثمار مخصص للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي و الأمن السيبراني والروبوت .

و للأمانة فهمت التصريح حول موضوع إطلاق صندوق الاستثمار لاتصالات الجزائر، غير أنّني وجدت صعوبة كبيرة في فهم التصريح الأول، لكنّني أتوقع ومن باب التجربة الاعلامية بأنّ “الطموحات تفوق القدرات”، رغم تأكيدي بأنّ “الطموحات” مطلوبة بل واجبة  في مثل هكذا اختصاص  .

غير أنّني في المقابل، ومن باب التجربة الاعلامية   أيضا  من جهة وبعض المعطيات من جهة أخرى، أعتقد بأنّ مساهمة قطاع الطاقة والتعدين والطاقة المتجددة في تطوير أنشطة ومشاريع القطاع  باستخدام الذكاء الاصطناعي، سيكون لها شأن في قادم السنوات، خاصة وأنّ العمل الميداني قد بدأ .

وقد علمت من جهات رسمية من داخل القطاع بأنّه قد شرع رسميا في التالي : 

الاستغلال الأمثل واستخراج الهيدروكربونات بدقة أكبر لتحديد الرواسب وتحليل البيانات والصيغة الأمثل  في الحفر والتحكم والصيانة والاستشراف.

2 ـ تحسين عمليات المعالجة والإنتاج في مجالات التكرير والبتروكيماويات والتسييل.

3 ـ مراقبة منشآت الطاقة في الوقت الحقيقي وتفتيش المرافق .

4 ـالإدارة الذكية للشبكات الكهربائية Smart Grids.

5 ـ تحسين كفاءة أنظمة توزيع الغذاء

الكهرباء والغاز وتوزيع وتخزين المنتجات البترولية. البنزين والديزل وغيرها.

6 ـ استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الخدمات الجيولوجية للرواسب المعدنية وبالتحديد في استغلال الأتربة النادرة والمعادن النادرة.

7 ـ تطوير منصة رقمية لإدارة عمليات الإنتاج.

من دون شك الاستقرار الذي عرفه قطاع الطاقة والمناجم والإمكانيات المادية التي يحوزها مجمع سوناطراك العملاق  وكذا نوعية الشركات الاقتصادية مع كبرى الشركات العالمية في ذات المجال،  كانوا  من بين الأسباب  التي مكنت قطاع الطاقة والمناجم من ولوج عالم تقنية الذكاء الاصطناعي من الباب الواسع، غير أنّ ذلك لا يمنع مجمعات ومؤسسات اقتصادية كبرى سواء عمومية أو خاصة  من دخول هذا العالم قبل فوات الأوان .

ويزيد الأمر وجوبا، على الجزائر وجميع مؤسساتها الحكومية والاقتصادية عندما نعلم أنّ استثمارات الشركاء الاقتصاديين في العالم عام 2024 شكلت 37.7 بالمائة من إجمالي استثمارات رأس المال الاستثماري العالمي، والرقم مرشح بحسب عدد من الخبراء العالميين بأن يتجاوز 50 بالمائة هذا العام . وبالتالي لم يبقَ أمامنا أي خيار إلا مواكبة هذه الثورة الذكية غير المسبوقة في تاريخ البشرية .

الكاتب : رفيق شلغوم ، مؤسس ،ومدير صحيفة “الجزائر الآن” الالكترونية، وكاتب مقال “رأي” بعدد من الصحف العربية

المقالة التالية
الأخبار المتعلقة
آخر الأخبار