المجلس العسكري الحاكم في مالي يقرر تعليق نشاطات الأحزاب السياسية

المجلس العسكري الحاكم في مالي يقرر تعليق نشاطات الأحزاب السياسية

الجزائرالٱن _ في خطوة جديدة تعكس التدهور المتسارع للحريات السياسية والمدنية، قرّر المجلس العسكري الحاكم في مالي، أمس الأربعاء، تعليق نشاطات الأحزاب السياسية وجميع الجمعيات ذات الطابع السياسي في عموم البلاد “حتى إشعار آخر”، بذريعة “الحفاظ على النظام العام”، في قرار يعيد مالي إلى عهود الحكم الفردي وتكميم الأفواه.

هذا القرار التعسفي جاء في وقت كانت فيه الأحزاب السياسية تستعد لتنظيم مظاهرات سلمية يوم الجمعة المقبل للتعبير عن رفضها للخطوات التي ينتهجها العسكر لتقويض التعددية الحزبية والديمقراطية، وهي مظاهرات مشروعة في أي نظام يحترم نفسه ويحترم حقوق المواطنين.

ويبدو أن المجلس العسكري، الذي يواصل العبث بالمؤسسات ويصفي الحياة السياسية، قد وجد في ذريعة “النظام العام” مطية لضرب التعددية، بعد أن فشل في إدارة المرحلة الانتقالية التي طال أمدها، وتحول من سلطة مؤقتة إلى سلطة قمعية لا تتورع عن خنق كل صوت معارض.

ولم يتوقف الانحدار عند هذا الحد، فقد تقدم الوزير الأول عبد الله مايغا بطلب إلى المحكمة العليا لإجراء مراجعة مالية شاملة تشمل كل الأحزاب منذ جويلية 2000 وحتى ماي 2025، وهو إجراء مثير للريبة في توقيته ومقصده، ويبدو أقرب إلى تصفية حسابات سياسية مغلفة بلبوس قانوني.

وتأتي هذه الخطوة بعد أيام قليلة من إلغاء النظام الأساسي الذي ينظم الحياة الحزبية في البلاد، استنادًا إلى جلسات “حوار وطني” قاطعتها أغلب الأحزاب، وأوصت بشكل غير شرعي بحل التعددية الحزبية، في سابقة خطيرة تعكس الرغبة الجامحة للعسكر في احتكار القرار السياسي.

وقد خرج المئات من الماليين إلى الشارع، السبت الماضي، متحدّين مناخ القمع، ورفعوا شعارات قوية مثل “تحيا الديمقراطية، تسقط الديكتاتورية”، وهي صرخة في وجه الانقلاب على الإرادة الشعبية، ورسالة واضحة بأن شعب مالي لن يستكين لحكم العسكر مهما كان الثمن.

ويعيدنا هذا القرار إلى ممارسات سابقة للمجلس العسكري، حين أوقف الأنشطة السياسية مؤقتًا العام الماضي، وسجن 11 زعيمًا سياسيًا لأكثر من خمسة أشهر بعد تنظيمهم اجتماعًا سياسيًا سريًا. فهل تحوّلت مالي إلى سجن كبير يلاحق فيه التفكير السياسي وتجرّم فيه المطالبة بانتخابات حرة؟

ما يجري في مالي هو ببساطة انقلاب صريح على الديمقراطية، ينفذه مجلس عسكري يتخفى وراء خطاب الأمن والاستقرار، بينما يمضي قدمًا في بناء نظام استبدادي على أنقاض المؤسسات والدستور والتعددية. وهو مسار لا يمكن أن يؤدي إلا إلى مزيد من العزلة والانفجار الداخلي، إذا استمر الصمت الدولي والتواطؤ الإقليمي.

المقالة التالية
الأخبار المتعلقة
آخر الأخبار