حملة إعلامية منسّقة أم مؤشرات لتصعيد حقيقي؟ تعدد المقالات الإسبانية والدولية حول اشتباك عسكري محتمل مع المغرب يثير التساؤلات

الجزائرالٱن _ في مشهد إعلامي لافت، شهد أمس الأحد 4 ماي 2025 موجة من المقالات والتقارير التي اجتاحت الصحافة الإسبانية والدولية، تدور جميعها حول فرضية واحدة مثيرة للجدل: تصعيد عسكري محتمل بين المغرب وإسبانيا، وخاصة في محيط مدينتي سبتة ومليلية.
ما يلفت الانتباه في هذا السيل الإعلامي ليس فقط مضمون هذه المقالات، بل توقيت نشرها المتزامن وتعدد المنصات التي تبنتها، فضلًا عن تجانسها اللافت في الخطاب والتحليل، في مشهد يثير التساؤل عما إذا كنّا أمام حملة إعلامية منسّقة بعناية، أم أنّ هناك فعلًا تطورات غير معلنة تُنذر بمرحلة جديدة من التوتر بين البلدين.
ضمن هذا السياق، برزت صحيفتان إسبانيتان من الوزن الثقيل، هما El Independiente وEl Debate، بمقالات تحمل نبرة تحذيرية واضحة وتحليلات تستند إلى معطيات عسكرية واستراتيجية. الأولى نشرت مقالًا بعنوان: “المغرب لا يهدد سبتة ومليلية عبثًا”، تطرقت فيه إلى خطورة تسليح المغرب، وتصاعد خطاب الرباط بشأن “استرجاع المدينتين”، مع التأكيد على حاجة إسبانيا إلى “قدرة ردع حقيقية”. أما صحيفة El Debate، التي ترتبط عادة بالأوساط المحافظة والعسكرية، فقد خصصت مقالًا مطولًا لتحليل صفقة مغربية مع الولايات المتحدة تضم 600 صاروخ “ستنغر” للدفاع الجوي، في خطوة اعتبرتها الصحيفة مؤشرًا قويًا على إعادة تسلح مغربي يستحق المتابعة الدقيقة.
ما يزيد من أهمية هذين المقالين هو أن الصحيفتين تعتبران من المراجع الإعلامية المؤثرة في تشكيل الرأي العام داخل دوائر القرار الإسباني، السياسية والأمنية على حد سواء. ونشر مقالين بهذا الثقل، وفي اليوم نفسه، يُظهر بوضوح نوعًا من التناغم غير المعتاد في قراءة المشهد المغربي، وكأن هناك توجهًا لتحضير الذهنية الإسبانية لاحتمال مواجهة، أو على الأقل توتّر قابل للتصعيد.
أما على المستوى المحلي، وتحديدًا في مدينة مليلية، فقد دخلت صحيفة Melillahoy على الخط، بنشرها لمقال تحذيري مثير عنوانه: “رد إسبانيا السريع على هجوم مغربي: أنظمة مراقبة وطائرات يوروفايتر”. المقال اعتمد أسلوبًا شبه عسكري في سرده للسيناريوهات المحتملة، وتناول تفاصيل جاهزية الرد الإسباني، جوًا وبحرًا، في حال أقدمت الرباط على “تحرك عدائي”. اللافت أنّ المقال نُشر باسم هيئة التحرير، لا بتوقيع صحفي فردي، ما يعزز فرضية أنه يعكس توجهًا مؤسساتيًا محسوبًا، وليس مجرد رأي صحفي عابر.
وفي خضم هذا الزخم الإعلامي، اختارت منصة Actualidad 24 Noticias إعادة إحياء النزاع القديم بين البلدين حول “جزيرة ليلى” (Perejil)، معتبرة أن الأزمة التي وقعت في مطلع الألفية تمثل نموذجًا لحل دبلوماسي ناجح. لكنها حذّرت في الوقت نفسه من أن الظروف الحالية أكثر تعقيدًا، بسبب ما وصفته بـ”التحول النوعي في التسلح المغربي”، مشيرة ضمنيًا إلى أنّ الحلول السلمية قد لا تكون بنفس السهولة هذه المرة.
عنصر المفاجأة في هذا المشهد الإعلامي أتى من خارج السياق الجغرافي المعتاد؛ إذ انضمت صحيفة بوليفية تُدعى La Voz de Tarija إلى هذا السجال، بنشر مقال في اليوم نفسه، يتناول “احتمال تصعيد مغربي إسباني” في سبتة ومليلية. وجود صحيفة من أمريكا الجنوبية في هذا النقاش بدا مستغربًا، لكن توقيت النشر المتزامن مع الصحف الإسبانية يفتح المجال أمام فرضيتين: إما أن هناك شبكة إعلامية متداخلة تروّج لهذا الطرح بشكل منسق، أو أن الملف جذب فعلًا انتباهًا دوليًا واسعًا، ربما نتيجة معطيات استخباراتية متقاطعة لم تُكشف بعد للرأي العام.
ورغم أن المغرب لم يصدر أي تهديد رسمي باستخدام القوة لاسترجاع المدينتين، فإنّ المقالات المتعددة التي صدرت في نفس اليوم أعادت صياغة الخطاب المغربي في إطار عسكري واضح، مستفيدة من صفقة صواريخ “ستنغر”، ومن تصاعد الوجود العسكري المغربي قرب الحدود الشمالية. لكن ما يمكن قراءته في عمق هذه النصوص يتجاوز المخاوف الأمنية، ليصل إلى محاولة التأثير على السياسات الدفاعية الإسبانية ذاتها؛ فهذه المقالات تبدو موجهة لدفع مدريد نحو تعزيز تمركزها العسكري شمال البلاد، وإعادة ترتيب أولوياتها الدفاعية، بحيث تُولي اهتمامًا أكبر لـ”التهديدات القادمة من الجنوب”، بدل التركيز الحصري على الجبهة الشرقية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.
النتيجة النهائية لهذه الموجة الإعلامية تبدو واضحة: ما يجمع بين كل هذه المقالات أنها نُشرت في نفس التاريخ، 4 ماي 2025، وتضمنت إشارات واضحة إلى خطر مغربي محتمل، وتوزعت بين صحف مرجعية مؤثرة داخل وخارج إسبانيا، من بينها El Independiente وEl Debate وMelillahoy، بالإضافة إلى مشاركة لافتة من صحيفة La Voz de Tarija البوليفية. مثل هذا التناغم في التوقيت والمحتوى يُصعب اعتباره مجرد صدفة. سواء كنا أمام تصعيد فعلي في الكواليس، أو بصدد حملة اتصالية تهدف إلى تهيئة الرأي العام لاحتمال المواجهة أو الردع، فإن المؤكد هو أن قضية سبتة ومليلية استعادت فجأة موقعها في صدارة النقاش الاستراتيجي الإسباني، وربما الإقليمي والدولي أيضًا.