Image

الاعلام و الحفاظ على الذاكرة في الجزائر تعزيزا للدفاع الوطني

الاعلام و الحفاظ على الذاكرة في الجزائر تعزيزا للدفاع الوطني

الجزائر الآن ـ ان الحديث عن الذاكرة موضوع على درجة عالية من الإشكالية والحساسية والاحراج خاصة لدى تلك الأمم التي لا تملك في تاريخها ما يمكن ان يكون مبعث اعتزاز وافتخار لذلك فالذاكرة السياسية لا تكتمل الا بذاكرة تاريخية . والذاكرة بالمقبال مصدر فخر ونقطة انطلاق وارتكاز لمن يملك زخما وثراء في التاريخ والذاكرة.

تمتلك الجزائر في عمقها التاريخي ما يمكن ان نسميه عبقرية المكان على حد تعبير عالم الجغرافيا السياسية البروفسيور جمال حمدان ويتضمن ذلك الموقع الاستراتيجي الذي يتسلح ببعد جيوسياسي من مشمولاته البعد الافريقي والمغاربي والمتوسطي والدولي وهي مشمولات يندر ان تتوفر لأي بلد وهذ المعطيات جعلت الجزائرتمتلك تاريخيا وذاكرة سياسية عظيمة تمتد من عهد يوغرطا وماسينيسا وتصل الى الأمير عبدالقادر مؤسس الدولة الجزائرية ورائد التسامح العالمي والذي تسمت باسمه مدينة القادر الامركية ووصولا الى الشبان الستة الذين فجروا ثورة من اعظم ثورات القرن العشرين هي ثورة نوفمبر المباركة الزكية وانتهاء الى ما وصلنا اليه في الحقبة التحديثية المعاصرة حيث تتظافر جهود شباب مخلص لهذه الامة يحذوه بناء جزائر جديدة سيدة قي قرارتها واضحة في رؤاها قادرة على صناعة القرار وبناء السلم وصياغة التحالفات ورصد الرؤى والاستراتيجيات الكبرى

ان الذاكرة هي ماضي الامة وذاكرها ومستقبلها هي خط الدفاع الأول عن وجدان الامة والحفاظ على الذاكرة هو تأمين للكيان السياسي والثقافي والاقتصادي
هي مخزون الامة وما تمتلكه من راس مال مادي ورمزي وبشري
ترى الكاتبة لوران ريان ان الذاكرة الوطنية احد اشكال الذاكرة الوطنية تساهم في تماسك الجماعة و ترتبط بافعال المجتمع ورودود افعاله لمختلف الاحداث عبر مختلف الحق التاريخية
-Lorraine ryan memory history and colonialism 2009 german historical institute –

لقد اطلقت اليونسكو برنامجا اسمته سجل الذاكرة وهو برنامج انشيء في 1992 لغرض الاهتمام بالتراث البشري بهدف صون وحماية هذا التراث من الضياع بسبب الاضطرابات المختلفة كالحروب وعدم الاستقرار الأمني النهب التجارة غير المشروعة ونتيجة أيضا لبعض العوامل الطبيعية والتي يتعرض لها التراث عبر الزمن بدء من الحجر المخطوطات المكتبات المتاحف الارشيفات الوطنية والصور
تعتبر الذاكرة هي نقطة انطلاق لبناء المستقبل لذلك يلجأ المستعمر للطمس والاستيلاء والنهب وتهريب الاثار- المتاحف العالمية- ولعل ما يحتويه متحف اللوفر الفرنسي من نفائس ومسروقات عالمية اكبر مثال على ذلك وتحوي عشر متاحف عالمية كبرى على ذاكرة شعوب بأكملها تم نهبها بالتعاون مع عصابات الاثار العالمية على غرار متاحف أمستردام وانجلترا والفاتيكان ونيوبورك وواشنطن واسبانيا وايطاليا

ان الذاكرة هي قوة أي مجتمع وامة ومصدر الاعتزاز لذلك يلجا المستوطن والمعمر لتزييف الحقائق وإعطاء ثقافة بديلة عن طؤيق التطهير العرقي والتصفية الجسدية مثل احداث 8 ماي 1945 التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية 1957.
وتكون الذاكرة محل استهداف استيطاني ومحل استهداف سياسي مثل تصريحات الرئيس الفرنسي الاستفزازية ايمانويل ماكرون بشأن الذاكرة وسن قانون العار الممجدد للاستعمار في 23 فبراير 2005
وبهذا الصدد لا يمكن ان ننسى الجريمة النكراء التي قامت بها فرنسا بحق الذاكرة بحرق المكتبة الوطنية قبل الاستقلال واتلاف أكثر من 600 ألف كتاب ومخطوط في محاولة يائسة إجرامية لمحو الذاكرة الوطنية الجزائرية.
إن الذاكرة محل سطو عالمي للدول الهامشية ووصل الأمر الى السطو على التراث والثقافة وأنواع الماكولات والتقاليد تبدىء بالتاريخ وتنتهي برأس المال الرمزي والمادي ولعل معركة الزليج والكسكسي وموسيقى الراي و وموشحات اهاليل خير مثال على ذلك الاستهداف الممنهج لذاكرة أمة حية تزخر بالنماء والعطاء عبر التاريخ .

الذاكرة الجزائرية مستهدفة لماذا ؟

لأن الجزائر ليست ككل الدول تمتلك ماضيا ثوريا وثورة من أعظم ثورات القرن العشرين، كما تمتلك مؤسسة عسكرية قوية بقيادة عسكرية مشبعة بالروح الوطنية و الجزائر تؤسس لتجربة ديمقراطية لارساء معالم الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون الذي وصل للحكم في 12 ديسمبر 2019 عقب انتخابات حرة ونزيهة وبعد حراك مبارك لم تسقط فيها قطرة دم واحدة قدم فيه الجزائريون دروس في التسامح والتلاحم بين الشعب وجيشه كمؤسسة دستورية أصيلة أن المرتكزات السابقة تجعل الجزائر تمتلك مقومات التاثير في صنع القرار الدولي في مجالات مختلفة خصوصا الامن الطاقوي وإعادة صياغة نظام دولي جديد.
ان الهيئات الاممية تدرك عظمة الذاكرة لذلك لجات الى تخليد ماهو متعلق بالذاكرة من خلال تبني تواريخ التاريخية لتخليد الذاكرة
مثل اليوم العالمي للتراث الموافق سنويا 18 أفريل.
اليوم العالمي للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان 24 مارس
اليوم العالمي للتنوع الثقافي من اجل الحوار والتنمية 21 ماي
اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية 18 جوان
اليوم الدولي لمناهضة التجارب النووية 29 اوت
اليوم الدولي لاحياء ذكري ضحايا جريمة الإبادة الجماعية ومنع هذه الجريمة 9 ديسمبر

كيف لعب الاعلام ويلعب دورا مهما في الحفاظ على الذاكرة وتقوية اللحمة الوطنية ؟

الجزائر عرفت تجارب متميزة في الاعلام منذ الثورة التحريرية المجيدة – 1954- على غرار اصدار جريدة المقاومة والمجاهد وغيرها من الصحف ناهيك عن وكالة الانباء الدور التاريحي لصوت العرب لا يمكن انكاره إضافة الى التجربة الثرية للسنما الثورية .
بعد الاستقلال عرفت الجزائر تجارب ثرية إعلاميا باللغتين العربية والفرنسية وكانت جزء من الرسالة الثورة للدولة الجزائرية وقد تاثرت بمراحل النشاط السياسي والتحول من مرحلة الى أخرى وصولا الى مرحلة التعددية الحزبية، ثم تبني اطروحات وطنية وقوانين جديدة اخرها قانون الاعلام 12- 05 الصادر بتاريخ 12 جانفي 2012 وتعرف الجزائر الآن تجربة تعددية في وسائل الاعلام المختلفة بين العام والخاص ولكن يحركها في ذلك تقديم الخدمة العمومية من جهة وتأمين المصلحة الوطنية والقومية من جهة أخرى وفي مراحل معينة وصل عدد الصحف الى اكثر من 60 يومية ناهيك عن التجربة التعددية الحالة في مجال الاعلام السمعي البصري.

يمكن لمنظومة الاعلام الجزائرية حاليا أن تساهم بتظافر الجهود في لتصدي لمحاولة التشكيك في التاريخ والهوية عن طريق تبني اعلام متخصص-ادراج منظومة الاعلام في مختلف المؤسسات التربية التعليمية والجامعية تعزيزا لمبادى الاعلام الجواري الداعم للدفاع الوطني وتوظيف الرقمنة في انتاج برامج ذات مستوى عالى قادرة على التنافسية العالمية —مضاعفة الجهود الإعلامية الوطنية للاعلام الوطني الخاص والمستقل للتصدي لمحاولة الاختراق السبراني ونشر الاخبار الكاذبة وخطاب الكراهية ومحاولة المس من الأسس الوطنية والدستورية للجمهورية الجزائرية بالإضافة الى تنظيم جولات ميدانية للفرق الكشفية والتعليمية والجامعية لمختلف مؤسسات الذاكرة ومرافقة ذلك إعلاميا وتتمثل مؤسسات الذاكرة في ما يلي *
المتحف الوطني للجيش – متحف المجاهد- الأرشيف الوطني – مركز الأرشيف الوطني – المديرية العامة للارشيف الوطني – ومؤسسة الأرشيف الوطني ناهيك عن المتاحف الوطنية.

إن الذاكرة الجزائرية متسهدفه من طرف أنظمة عميلة مثل نظام المخزن المغربي الذي يؤدي دور الدولة الوظيفية خدمة لاطماعه التوسعية على الجزائر العصية عليه وعلى القوى الاستعمارية الجديدة مثل محاولته اليائسة للاختراقات المختلفة للاعلام الجزائري ونشر مواقع الذباب الالكتروني المتربصة ودورها المشبوه في التجسس على العالم على غرار الفضيحة الصهيونية المغربية بيغاسوس، وهذا يتطلب عملا احترافيا عالي المستوي يتجاوز الرسالة الانفعالية الانشائية الى الرسالة الاستراتجية.

في الأخير تشير التقارير الرسمية عن الجزائر في مجال تحليل النشاط الرقمي في أفريل 2022 أن معدل انتشار الانترنت في الجزائر الى عدد السكان يتجاوزون سقف 60 بالمائة وهو يمثل زيادة 7.3 بالمائة عن العام الماضي أي حوالي 27 مليون مواطن وهو مؤشر صريح للاستثمار في الجهود لتجويد الخدمة العمومية وتوظيف الانترنت في مجال الاتصال الالكتروني الفعال الذي يتماشى مع ابجديات اقتصاد المعرفة لقد قام السيد عبدالمجيد تبون رئيس الجمهورية بعدد من القرارات المصيرية والاستراتيجية الهادفة منها إقرار الثامن من ماي يوما وطنيا للذاكرة وترسيم الوقوف دقيقة صمت يوم 17 أكتوبر من كل سنة عبر كامل التراب الوطني ترحما على أرواح شهداء مجازر 17أكتوبر 1961 بالإضافة الى استرجاع رفات 24 من أبطال المقاومة الشعبية ضد الاستعمار وذلك بعد 170 سنة من الاحتجاز في متحف “الإنسان” بباريس في انتظار استرجاع رفات كل المقاومين الجزائريين المتواجدة بالخارج.

و بمناسبة الاحتفال بالذكرى 60 لاسترجاع السيادة الوطنية، قام السيد رئيس الجمهورية بتدشين العديد من اللوحات الجدارية المخلدة للجزائريين الذين قامت فرنسا الاستعمارية بنفيهم إلى كاليدونيا الجديدة وغويانا (أمريكا الجنوبية) ومارغريت (فرنسا) وبرازافيل (إفريقيا)، بالإضافة إلى تدشين النصب التذكاري “معلم الحرية” بميناء سيدي فرج.
بالمقابل تسهر المؤسسة العسكرية ممثلة في مديرة الاعلام والاتصال على انتاج برامج إذاعية وتلفزيونية على غرار برنامج السليل الإذاعي وبرنامج وعقدنا العزم التلفزيوني بالإضافة الى مجلة الجيش وجيشنا وهي تشكل روافد إعلامية مهمة تنتج مضامين إعلامية سيادية تعلي من قيم الانتماء وتعزيز قيم السيادة الوطنية وتغذي الأجيال الصاعدة بقيم الحفاظ على الهوية والذاكرة الوطنية .
إن الدول التي تسحن قراءة تاريخها كفيلة بانتاجه لغير صالحها مستقبلا وعليه فان رهان الحفاظ على الذاكرة هي مسالة حيوية واستراتيجية في نفس الوقت وهو الرهان الذي اكسبته الجزيرة بفضل تلاحم الشعب مع قيادته السياسية ومؤسسته العسكرية في صورة من اجمل صور التلاحم والوفاء .

المقالة التالية
الأخبار المتعلقة
آخر الأخبار