Image

تحديات العالم الإسلامي على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية: هل يستغل “اتحاد مجالس منظمة التعاون الإسلامي” الفرصة الثمينة؟

تحديات العالم الإسلامي على ضوء الحرب الروسية الأوكرانية: هل يستغل “اتحاد مجالس منظمة التعاون الإسلامي” الفرصة الثمينة؟

الجزائر الآن _ تنعقد اليوم 29 يناير 2023 الدورة الـ 17 لاتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، بمعنى “برلمانات” الدول الإسلامية، والبرلمانات هي أولا وقبل كل شيء سلطة تشريعية قائمة بذاتها من جهة وهي صوت الشعوب في العالم الإسلامي من جهة أخرى، وهذا يعني أنه يتعين على اتحاد مجالس الدول الاعضاء في منظمة التعاون الإسلامي أن تحدث نوعا من التباعد بين قراراتها وقرارات السلطات التنفيذية في كل البلدان الإسلامية، بل يتعين عليها أكثر من ذلك إيصال صوت الشعوب في العالم الإسلامي للحكومات باستغلال الإمكانات المتاحة.
ويأتي انعقاد الدورة الـ 17 بالجزائر في ظروف مناسبة تماما لرفع التحديات من خلال تشخيص دقيق للبيئة الراهنة في العالم الإسلامي والعالم ككل، وتقديم اقتراحات عملية للحكومات. ولعل أبرز الظروف الدولية الرهنة تتمثل فيما يلي:

1 – الحرب الروسية- الأوكرانية

إن الحرب التي اندلعت في أوروبا، بين روسيا وأوكرانيا، هي في نهايتها حرب بين الغرب وروسيا، الغرب يمثله الناتو وعموم الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، وروسيا تبدو في الوقت الحالي أنها تواجه الغرب منفردة، لكن الوضع قد يتغير لتحالف جماعي حول روسيا. لتصبح الحرب بين الغرب التقليدي بقيادة الولايات المتحدة، والشرق التقليدي بقيادة روسيا.
ما يعني أن العالم متجه رأسا نحو بناء نظام عالمي جديد، عالم سيكون ثنائي القطبية على الأقل، بل يتوقع أن يكون متعدد الأقطاب، ذلك أن السلاح النووي الذي تمتلكه الدول الأطراف في الحرب، لن يسمح أبدا بأن يبقى الوضع العالمي كما كان عليه قبل بداية الحرب.
وحتى نفهم المعادلة أكثر، نقول أن روسيا تعتبر الإنتصار في الحرب مسألة حياة أو موت بالنسبة للروس، والغرب بقيادة أمريكا يعتبرها أيضا مسألة وجودية بالنسبة للغرب التقليدي. فماذا تفعل روسيا وكذلك أمريكا بسلاحها النووي إذا لم توظفه في حرب وجودية؟ وسواء أتم ذلك أم لا، فإن العالم مقبل على تغيرات استراتيجيبة كبيرة.
من هذا المنطلق يتعين على العالم الإسلامي أن يستغل هذه الفرصة، ليكون قطبا قائما بذاته، فالإمكانيات المادية والبشرية والثروات الطبيعية والمساحة الجغرافية التي حباه الله بها لم يمنحها لغيره. وعلى برمانات البلدان الإسلامية المجتمعة في الجزائر أن تعرف كيف تستغل هذه الفرصة التاريخية.

2 – التوتر الصيني الغربي

أكثر مما سبق، إن المواجهة بين الغرب التقليدي بقيادة أمريكا والناتو والشرق التقليدي بقيادة روسيا، لن تتوقف عند أوكرانيا، بل سوف تمتد لآسيا وتحديدا إلى الصين وجيرانها، وقد بدأت بتخلي الولايات المتحدة والدول الأوروبية عن مبدأ “الصين الواحدة” بتأييدهم تايوان، صحيح أنه من الناحية الديبلوماسية يتحدث الغرب على أنه متمسك بالصين الواحدة لكن عمليا هو يؤيد انفصال تايوان، لتحقيق حرب استنزاف للصين كما يحدث لروسيا في أوكرانيا، هذا الأمر قد يؤدي إلى مواجهة ساخنة في هذه المنطقة على غرار أوكرانيا، وما يؤكد هذا الطرح تلك الوثائق التي عثر عليها في بيت الرئيس الأمريكي جو بايدن والتي تتحدث عن حرب ضد الصين.
وكذلك يؤكد هذا الطرح قضية الغواصات الفرنسية التي قدرت قيمتها بنحو 90 مليار دولار لأستراليا والتي انتزعتها أمريكا لصالحها حتى توزد أستراليا بغواصات نووية متطورة استعدادا لمواجهة عدو محتمل لن يكون سوى الصين.
ويضاف إلى ذلك التوتر الحاصل بين بلدان المنطقة على غرار الصين واليابان وكوريا الشمالية والجنوبية، الذي صاحبها توجه نحو تخصيص ميزانيات ضخمة للتسلح.

3 – أكرنة الساحل الإفريقي

وفي القارة الإفريقية، يبدو أن “أكرنتها” تسير تدريجيا على الطريق، من خلال صراع النفوذ بين الغرب ممثلا أساسا في القوى الإستعمارية على غرار فرنسا من جهة، و الصين وروسيا من جهة أخرى، حيث يلاحظ وضع قدم عسكرية واقتصادية صينية روسية مقابل انتفاضات شعبية وحكومية تطالب بخروج القوات الغربية من المنطقة على غرار ما يحدث في مالي وبوركينافاسو وتشاد. ما يعني أن “النموذج الأوكراني”، اي المواجهة بين الغرب التفليدي والشرق التقليدي غير مستبعد في إفريقيا.
هذه المعطيات وغيرها تشير بوضوح إلى أن العالم غدا ليس مثلما كان عليه بالأمس، ويتعين على اتحاد مجالس منظمة التعاون الإسلامي المجتمع بالجزائر قراءة هذه البيئة الدولية قراءة جيدة والمساهمة في دفع الحكام للبحث عن مكانة للعالم الإسلامي في عالم الغد.

4 – الغرب يستنزف في أوكرانيا وآسيا

إن كل البلدان في العالم الإسلامي التي تعيش وضعا مأساويا على غرار فلسطين، ليبيا، سوريا، اليمن، وغيرهم مرتبط بشكل او بآخر بتغول الغرب وسيطرته على مفاصل السياسة الدولية وعلى مراكز صناعة القرار وخاصة مجلس الأمن.
لكن البيئة الدولية التي أشرت لبعضها أعلاه، تجعل الغرب تدريجيا يفقد التغول والسيطرة على العالم بسبب استنزافه في حرب أوكرانيا وجهات أخرى من العالم على غرار أفغانستان حيث انسحبت أمريكا تجر أذيال الهزيمة، وانسحبت فرنسا من دول الساحل الإفريقي خائبة.
أما الدول الأوروبية فهي تعيش أزمات خانقة نتيجة للحرب في أوكرانيا، قد تؤثر عليها سياسيا بعد التأثير الإقتصادي المتمثل في أزمة الطاقة والتضخم. وهو وضع لن يسمح لها بلعب الأدوار التي لعبتها بعد سقوط جدار برلين يوم 11 نوفمبر 1989.
إن فقدان التغول والسيطرة الغربية على العالم لن يكون إلا في صالح العالم الإسلامي.

5 – الجزائر نموذجا للتحرر من الغرب

لكن المشكل الآن هو أن بعض الأنظمة في العالم الإسلامية مرتبطة استراتيجيا بالغرب التقليدي، ويتعين على برلمانات العالم الإسلامي أن تضغط في سبيل التحرر التدريجي من الغرب، على غرار ما فعلت الجزائر بطلب العضوية في منظة البريكس وربما بعدها منظمة شنغهان للتعاون، بمعنى أنه يتعين على العالم الإسلامي بناء علاقات متوازنة مع كل دول العالم بما فيها روسيا والصين والهند، وفك الإرتباط الوجودي الخطير مع أمريكا والإتحاد الأوروبي.
إن البيئة الدولية الحالية وانشغال الغرب بالحرب في أوكرانيا، مناسبة تماما لحل المشكلة الليبية عن طريق الإنتخابات، والمشكلة اليمنية والسورية وغيرها، فحرب أوكرانيا وجودية بالنسبة له. وعلى برلمانات العالم الإسلامي المجتمعين في الجزائر أن يضغطوا في اتجاه تصفير مشاكل الأمة.

6 – مصير الصهيونية مرتبط بشكل حتمي بالغرب

أما القضية الفلسطينية، فقد شاءت الأقدار أن تلتئم الدورة الـ 17 لمجالس اتحاد الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، في ظل حدثين كبيرين، الأول هو تمكن الجزائر من لم الشمل الفلسطيني حيث جمعت على أرضها نحو 14 فصيلا فلسطينيا، وبعدها مباشرة “صادقت” القمة العربية المنعقدة في الجزائر يوم 1 نوفمبر 2022 على مخرجات اجتماعهم. هذه المخرجات تتطلب تفعيلها من قبل برلمانات البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي.
أما الحدث الثاني فيتعلق بسيطرة المتطرفين الفاشيين من بني صهيون على الحكم في “إسرائيل” من جهة وامتداد المقاومة الباسلة إلى الضفة الغربية من جهة أخرى، واستمرار الكيان الصهيوني في اعتداءاته رغم موجة التطبيع العربي، حيث ارتفع عدد المطبعين إلى 6 دول عربية هي المغرب ومصر والإمارات والبحرين والسودان والأردن، ولم يأت اتفاق “ابراهام” الذي راهنت عليه الإمارات العربية سوى بزيادة من التطرف في الجانب الصهيوني.
وحتى أبقى مرتبطا مع عنوان المقال، يمكن القول أن “الكيان الصهيوني” في ظل الحرب الروسية الأوكرانية مرتبط بشكل حتمي بالغرب وبنتيجة الحرب، وقد توترت العلاقة بين تل أبيب وموسكو أكثر من مرة بسبب تأييد الكيان الصهيوني لأوكرانيا، وفي حال التوصل إلى بناء نظام متعدد الأقطاب أو ثنائي القطبية على الأقل، فإن جبروت الكيان الصهيوني لن يبقى كما هو، بدليل أن الكيان استأسد أكثر من اللازم منذ عام 1993 تاريخ التوقيع على اتفاقية أوسلو، وتدمير الغرب للعراق منذ 1991، وصولا إلى “مؤامرة الربيع العربي” منذ 2011، حيث انهارت معظم دول “جبهة الصمود والتصدي” في سياق استراتيجية تم رسمها أواسط التسعينيات من قبل صقور البيت الأبيض لتغيير “المحيط الجيو-سياسي المعادي لإسرائيل”.
إن العالم الإسلامي، كان أكبر خاسر من زوال القطبية الثنائية، تلك القطبية التي لعبت عدة دول إسلامية دورا في زوالها، ويتعين عليها أن تساهم اليوم مساهمة إيجابية في عودة تلك الثنائية بل إنشاء عالم متعدد الأقطاب حتى تكون الفائدة أكثر.
وبناء عليه يتعين على البرلمانات في الدول الإسلامية أن تكون ضمير الشعوب وتدين بشكل صريح موجة التطبيع وتدعو إلى العودة إلى الوضع الطبيعي، اي لا تطبيع مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس على الأقل.
كما يتعين عليها أن تستنكر الصمت المطبق من طرف لجنة القدس التي يترأسها العاهل المغربي، ولتكون للبرلمانات الإسلامية الشجاعة أن تجمد هذه اللجنة أصلا حتى لا أقول تغيير تركيبتها، خاصة أن النظام المغربي نظام مطبع في كل الإتجاهات مع الكيان الصهيوني خاصة التطبيع العسكري ولا يستطيع تبعا لذلك أن يكون حاميا أمينا للقدس.

7 – الغرب مصدر العداء للإسلام

أما العداء للإسلام، فلا نحتاج إلى جهد كبير لمعرفة أن الغرب التقليدي بوسائله المختلفة يلعب دورا في تنامي العداء للإسلام والمسلمين، وذلك منذ سقوط جدار برلين عام 1989، حينها ولدت المقولة الشهيرة التي تنسب لكيسنجر :” لم يبق لنا بعد الخطر الأحمر سوى الخطر الأخضر” يعني أنه بعد انهيار الشيوعية لابد من توجيه ضربة قاصمة للدين الإسلامي، وهو ما تجسد بوضوح في تكرار عمليات حرق المصحف الشريف وإهانة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، واتهام المسلمين بالإرهاب وغيرها.
في المحصلة يمكن القول أن فرصة ثمينة قد ولدت للتحرر الإسلامي، وتشكيل قطب قوي في عالم الغد، وعلى الجميع خاصة البرلمانات في الدول الإسلامية الدفع نحو استغلال هذه الفرصة التاريخية.

المقالة التالية
الأخبار المتعلقة
آخر الأخبار