Image

منطق آخر لا يستجيب المحتلون لسواه

منطق آخر لا يستجيب المحتلون لسواه

الجزائرالآن _لا أدري لماذا كلما حاولت مناقشة منعطف سياسي للقضية الفلسطينية وجدتني استند الى مرجعية الثورة الجزائرية واجعلها المعيار للتقيم بالتأكيد ليس ذلك فقط من باب الاعجاب والحب والانتماء، انما أيضا- وهذا المهم بالنسبة لي ككاتب ومتابع – استند اليها من باب البحث عن قدوة عاشت واقعا استعماريا باللون الاحتلالي الاحلالي نفسه، تمثلت فيها كل أسباب الانتصار الرئيسية والسنن الحاسمة فحازت بذلك النصر المستحيل.

عندما انطلقت مظاهرات الاضراب الكبير في الجزائر في فبراير 1957 كان يبدو على العملية أنها من ضروب الجنون اذ كيف يمكن لشعب اعزل وعشرات الفدائيين في العاصمة مواجهة الوحدة الثالثة للمظليين الفرنسيين، كانت العملية تشبه الانتحار في العمل السياسي لكن في العرف الثوري كانت الخطوة الضرورية لاحداث النقلة الواجبة لتحقيق الاستقلال، سوئل المفكر الثوري القائد العربي بن مهيدي ماذا تريد من هذا الاضراب فقال اريد ان ننقل قضيتنا الى الامم المتحدة لتصبح قضية دولية وليست قضية فرنسية محلية.. وهذا ما حققه الاضراب الكبير وكانت روح الشهيد القائد العربي بن مهيدي ثمنا لهذا المنجز الكبير، وفعلا أصبحت الثورة الجزائرية بعد الاضراب الكبير ليست هي ماقبله فلقد أصبحت قضية شعب يريد حريته واستقلاله يقتحم بممثليه المؤسسات الدولية ويفرض شروطه على محتليه.

في الساحة الفلسطينية شعب معطاء يصنع المعجزات في تحديه تعرض لابشع عملية طرد وتهجير ولم يتنازل عن حقه بكل فلسطين ولكنه لم يؤت ترحمة سياسية ناضجة بمستواه وهكذا كان يقول الزعيم الراحل ياسر عرفات: “ان شعبنا متقدم علينا كثيرا وان شعبنا اعظم كثيرا من قيادتنا”.

الاستعمار الاحلالي في فلسطين ومعه اساتذته في البيت الابيض والعواصم الاوربية كانوا يراقبون باستمرار نضال الشعب الفلسطيني بحساسية مفرطة.. و كلما اقترب الفلسطينيون من خيار “الانتحار” والانطلاق المتحرر للمواجهة الشاملة الواسعة يبدون له بعض التنازلات.. وبمجرد ما يحبو وهج الاندفاع الفلسطيني يتراجع الاساتذة وادواتهم عن كل الوعود.

نحن نواجه الان آخر عمليات الاحتلال الاستيطانية في الضم والتهويد فلقد سيطروا تماما على الاقصى والحرم الابراهيمي كما انطلقت اياديهم تماما في اراضي الضفة الغربية استيطانا وتهويدا.. ولقد بلغوا من التطرف السياسي والفكري والعملي ما لم يبلغوه من قبل.. وهم يتحركون في هذا الاتجاه بعد ان ظنوا انهم حققوا تأييدا عربيا رسميا لهم في اجواء هرولة المهرولين للتطبيع معهم، وفي ظل احساسهم بالضعف السياسي الفلسطيني وتشتت الموقف الفلسطيني وارهاق القيادات الفلسطينية وضعفها.

في هذه الظروف الاستثنائية نعود للمقولة الثورية الفذة” ألقوا الثورة الى الشعب تنتصر”.. وبلاشك نحن نتحسس طريقا قد أخذ في التعبيد بدم الشهداء الاعزاء في جنين ونابلس والخليل والقدس وغزة يكاد يصل الى مرحلة اللاعودة واللا تراجع.. وهكذا يبدو ان خيار الثورة الشعبية وقيادة الجماهير للثورة اصبح جليا في مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية يتجلى ذلك عقب استشهاد احد المجاهدين أو في مواجهة قوات الاحتلال التي تحاول اقتحام القرى والمخيمات..

ان هناك شيء اخر يحصل في فلسطين ليس هو ابدا ترجمان الخطاب السياسي المحاصر المخنوق المهلهل: فالشباب الان في جنين ونابلس والقدس والخليل لا يرفعون من الشعارات الا المقاومة المسلحة الواسعة ويقولون لحلفاء العدو واصدقائه ان اردتم خيرا بالصهاينة فارحموهم من رصاصنا وثورتنا لاننا لن نقبل باحتلالهم.. هذا ما سيفهمه المحتلون واسيادهم اما خطاب استجداء السلام وتسول التحرير فذلك يصلح فقط في مجال المدافعات في جميعات حقوق الانسان ولكن لسوء حظ اولئك ان السياسة والحياة ليست جمعيات خيرية ولا جمعيات حقوق انسان.

المقالة التالية
الأخبار المتعلقة
آخر الأخبار