Image

كلمة الوزير الأول وزير المالية أمام مؤتمر الاحتفال بالذكرى الـستين (60) لتأسيس حركة بلدان عدم الانحياز

كلمة الوزير الأول وزير المالية أمام مؤتمر الاحتفال بالذكرى الـستين (60)  لتأسيس حركة بلدان عدم الانحياز

بسم الله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
فخامة السيد، ألكسندر فوتشيتش رئيس، جمهورية صربيا،
فخامة السيد إلهام علييف، رئيس جمهورية أذربيجان و رئيس حركة بلدان عدم الانحياز،
السيّدات و السادة الحضور،

يطيب لي في البداية أن أنقل إليكم تحيات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي كلفني بتمثيله اليوم في أشغال قمتنا هذه، و تمنياته بالنجاح لأشغالها.
كما أود أن أعرب عن خالص الشكر والتقدير لجمهورية صربيا الصديقة حكومة وشعبا، لما حظينا به من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة وما لمسناه من حسن التنظيم لهذا الاجتماع التاريخي المخصص للإحتفاء برسالة عدم الانحياز.

أود أن أنتهز هذه الفرصة لكي أتقدم بالتهاني لصربيا و لأذربيجان على هذه المبادرة التي ستعمل دون أي شك على زيادة تعزيز التعاون والتآزر بين دول الحركة والرقي لمستوى هدفنا المشترك لإعلاء مبادئ باندونغ وصحوة بلغراد المشهودة.
السيد الرئيس،

قبل ستين عامًا، وفي هذه المدينة العتيقة، بدأت حركة عدم الانحياز مهمتها لتصبح صوتًا جامعاً للدول النامية وبديلا مميزا للدفاع عن مصالحها المعنوية والسياسية والاستراتيجية. لقـد أُنشـئت حركتنا في ذروة الحرب الباردة وكانت مبادئها الداعية للحرية وتقرير المصير والسلام والأمن الدوليين بمثابة طوق نجاة لدول العالم الثالث، حيث أعتقت شعوباً كثيرة من نير الاستعمار في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا ومنحت “صوتاً لمن لا صوت لهم”. وقد لعبت الحركة دوراً مهماً في الحفاظ على السلام والأمن في العالم وساهمت جهودها الحثيثة في تعزيز توازن القوى في العلاقات الدولية والدفاع عن القضايا العادلة.

وما نحتفل به اليوم هو أكثر من لحظة تذكارية في التاريخ، بل هو حدث تاريخي فاصل و إرث ثمين تملكته شعوبنا، وينبع من مبادئ باندونغ التي أعيد تأكيدها هنا في بلغراد في المؤتمر الأول في عام 1961. فإلى جانب ما ينطوي عليه هذا المؤتمر من أبعاد تاريخية خاصة ومميزة، فهو فرصة لنا جميعا لتجديد تمسكنا واحترامنا لرؤى ومبادئ وأهداف حركة عدم الانحياز التي أكدت الأحداث التي هيكلت العلاقات الدولية مدى صوابها الأخلاقي وسخائها السياسي.

السيد الرئيس،

إن الجزائر التي تعد من بين الأعضاء المؤسسين لهذه الحركة، وهي لم تكن قد استرجعت استقلالها بعد، لم تدخر يوما أي جهد من أجل تعزيز حركة عدم الانحياز وإعلاء مبادئها وتحقيق أهدافها، ولا يسعها اليوم إلا الإشادة بالانجازات التي حققتها الحركة منذ نشأتها وبقائها كمحفل تتكامل فيه جهود شعوب الجنوب وتتلاحم فيه تطلعاتها وطاقاتها.

وباعتبارها قبلة للثوار ومناصرة للقضايا العادلة في العالم، وقفت الجزائر إلى جانب حركات التحرر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ولم تتوان في الدفاع عن قضاياها والالتزام بمساندة نضالها ماديا ومعنويا. وساهمت في ذلك من خلال النداء الذي وجهه الرئيس الراحل هواري بومدين من أجل إقامة نظام اقتصادي عالمي جديد يحرر العالم الثالث من قيود الاستعمار الجديد خلال مؤتمر قمة دول عدم الانحياز المنعقد في 1973 بالجزائر.

لقد أثبتت حركتنا قدرتها على التعامل بفعالية مع المستجدات الدولية وحكمتها في إيجاد الحلول السياسية السلمية لمواجهة التهديدات القائمة والمستقبلية بما يثبت قابليتها أن تكون طرفا فاعلا في النظام الدولي الذي ما ننفك ننادي ببنائه على أسس احترام مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي. كما أكدت باستمرار على أهمية العمل في إطار تعددية الأطراف وميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي ودعت في هذا الصدد لضرورة الالتزام بمبادئ احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحسن الجوار وحق الشعوب في تقرير مصيرها وترسيخ العدالة ونبذ جميع أشكال التدابير القسرية الأحادية.

السيد الرئيس،

إن السياق الدولي الراهن يضع الحركة أمام ضرورة تحمّل مسؤولياتها إزاء التحدّيات التي تواجه بلداننا وفي مقدّمتها استفحال بؤر التوتر والنزاعات الإقليمية والدولية والتحديات التي يطرحها السباق نحو التسلح وتفاقم أزمة المناخ والأزمات الصحية المرتبطة بانتشار الأوبئة، والتي باتت تهدد اليوم حياة ملايين البشر عبر العالم.

إن الدفاع عن القضايا العادلة ينبغي أن يرتكز على حق الشعوب في تقرير المصير الذي يشكل أحد المبادئ المؤسِّسَة لفلسفة الحركة ولعملها. وأحيي الدعم الثابت والمستمر لحركتنا لهذا المبدأ في الوقت الذي يتعرض فيه لشتى محاولات التقويض وتحريف أسسه القانونية كما كرسها ميثاق الأمم المتحدة والقرارات ذات الصلة.

لقد كان لوقوف حركة عدم الانحياز إلى جانب الشعوب المطالبة بحريتها واستقلالها الأثر البالغ في انعتاق هذه الشعوب من أغلال الهيمنة الأجنبية والاستعمار. وإذ تسجل الجزائر، بكل اعتزاز، الموقف المبدئي والثابت للحركة، المؤيد لحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، فإنها تدعو الدول الأعضاء لمواصلة هذا الدعم الثمين لاسيما في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها قضية الصحراء الغربية، جراء عدم تمكين الأمم المتحدة من انجاز مهمتها المتمثلة في استكمال تصفية الاستعمار في الإقليم.

إذ يتسم الوضع حاليا بانسداد أفق عملية السلام، وأمام هذا التراجع الخطير الذي فتح الصراع بين طرفي النزاع، المغرب وجبهة البوليزاريو، على المجهول، فإننا ندعو الأمم المتحدة ومجلس الأمن، على وجه الخصوص، لتحمل مسؤولياته كاملة والعمل على إعادة المسار الأممي إلى طريقه بما يكفل للشعب الصحراوي ممارسة حقه، غير القابل للتصرف، في تقرير المصير. كما تؤكد الجزائر دعمها لقرار مجلس السلم والأمن الإفريقي القاضي بإطلاق مفاوضات مباشرة بين طرفي النزاع، المملكة المغربية والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.

كما تبقى القضية الفلسطينية في صلب اهتمامات حركتنا التي تبقى واعية تماما بمسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والقانونية لتأكيد دعمها الثابت للشعب الفلسطيني في سعيه إلى انتزاع حقوقه الوطنية غير القابلة للتصرف، بما في ذلك حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف. كما تجدد الجزائر تمسكها و التزامها بمبادرة السلام العربية الرامية لتكريس حل الدولتين وتحرير كافة الأراضي العربية المحتلة بما فيها الجولان السوري.

السيد الرئيس،

إن التحديات المتعددة الأبعاد التي تعاني منها بلدان حركة عدم الانحياز تجعلنا في حاجة ماسة، أكثر من أي وقت مضى، لإصلاح شامل و عميق لجعلها أكثر قوة وصلابة في مواجهة التحديات وجعلها صوتا مسموعا للعالم.

في هذا الصدد، يقع على عاتقنا كدول أعضاء مواصلة مبادرة مسار إصلاح الحركة لتكييفها مع المقتضيات الراهنة وتمكينها من فرض نفسها كشريك أساسي في العلاقات الدولية، وإننا لواثقون أن هذه المبادرة ستشد أزر حركتنا لمواصلة النضال المشترك الذي تقوده شعوبنا منذ عقود لتدعيم استقلالها الوطني وتحقيق المطامح المشروعة لشعوبنا وتعزيز تضامنها من أجل إحلال سلام دائم، قائم على العدل والحرية والكرامة.

وستضل حركتنا بقوتها العددية و وزنها المعنوي و السياسي مصدرا للاقتراحات المثمرة التي تصب في مصلحة الإنسانية جمعاء، في مجتمع دولي متعدد الأقطاب يشرك جميع الدول دون استثناء في العمل المشترك من أجل بلوغ عالم يسوده السلام و العدالة.

ولعلها فرصة أغتنمها، لأذكر بدعم بلادي للمبادرة التي صاغتها بالتعاون مع دول صديقة أخرى أعضاء في حركتنا، من أجل تسمية أرشيف القمة الأولى لحركة بلدان عدم الانحياز ببلغراد، في ذاكرة العالم لمنظمة الأمم المتحدة للتربية و العلم و الثقافة، و التي ترمي إلى الحفاظ على إرث حركتنا التاريخي و ما قدمته للإنسانية من خدمات جليلة للدفاع عن القضايا العادلة، و لإشاعة السلم والأمن و التنمية في ربوع العالم.

وختاما، أود أن أعلن استعداد الجزائر لاحتضان القمة المقبلة لحركة بلدان عدم الانحياز، رغبة منها في مواصلة مسعانا المشترك في الارتقاء بدور حركتنا على الساحة الدولية. فمرحبا بكم في الجزائر.

أشكركم على حسن الإصغاء

المقالة التالية
الأخبار المتعلقة
آخر الأخبار